عقم الايام


قدري طويل القامة كنهر النيل. نحيف شاحب كعقدة الانتقام. عيناه المغمضتين الشاحبتان تفرزان الذبول. بينه و بين الفرح مسافات.. مسافات وعثرات دائمة.
لم يرى البحر مدى حياته. لم يستمتع بزرقة عينيه. ولا بتسابق أمواجه.
يجهل دغدغة القبلة الطيبة. ورطوبة الوسادة. وعطر الصباح الممزوج بالقليل من عبق الليلة السابقة.
صديقه الامل يحن اليه. يركن اليه. يخطو تحته مطأطأ رأسه خجول. يترقب متى تظهر قواسم الفرح على وجهه الشاحب ليتسلل خاطفا منه لحظة هي كل اللحظات.
أصيبت طفولته بقرصة. كبرت القرصة معه. مدت جذور المها الى مشاعره و اعضائه الهشة.
يتسلل الى الدروب وحيدا. يبحث في الدروب بعينيه الذابلتين على ظل فرصة. تعلو من خلالها الصيحات و الضحكات. يريد أن يتذوق طعم الضحك. أن يلمس السرور بأطراف أصابعه الميتة كي تعود للحياة. خطوات كبيرة تقطع دروبا ضيقة. يقتفي اثر ثوب حريري ناعم تفوح من خلال خيوطه رائحة انثى عربية تجوب الاحياء خلسة في منتصف الليل. حيث العيون مغمضة و الظلام يفرض حظر التجوال. تنطلق شرارة نظراتها فتضئ الارجاء وتسيطر بأنوثتها على كل الجدران. فتمسح عنها السكون لتتحول الى مهرجان من الاضواء و الحركة. يتبعها مسرعا و يكاد يمسكها. لكن شبحها يهوى المطاردة الشقية كالأطفال التي لا يمكن معها ان تمسكه الايادي بسهولة. يسرع و يسرع ودقات قلبه الضعيف تكاد تصمت. لكنه متشبع بالحزن لدرجة أنه لا يأبه للموت. هو امل واحد ,شيء واحد جعله يستفيق. أراد أن يلامس لأول مرة جسد انثى. ويغرق في تفاصيله الصغيرة جدا. انثى ترتدي ثوبا ناعما من حرير الوانه من قوس قزح ممتلئ بعطر الربيع. أراد أن يعرف اسمها. اصلها لون عينيها. طعم شفتيها. ملمس جلدها. اراد ذلك أكثر من اي شيء اخر. لدرجة أن قلبه الضعيف لم يعد يحتمل كل تلك الرغبات. استمرت ملاحقته لها اربعين عاما. وبعد الاربعين اكتشف اخيرا انه ضائع بدونها وبها. استطاع بعد صراع طويل ان يهتدي اخيرا الى هويتها. استطاع ان يعرف اسمها و اصلها و لون عينيها, فاخذ قلما ودون على صفحات عمره: " الفرحة اصلها الجنة وتنبع من داخل قلوبنا لون عينيها السماء. تغطي على السواد الذي نعيشه في ايامنا. اه من طعم شفتيها. لم أذقه فعلا لكنه ذاقني من عدد الضحكات التي تخرج من جوف قلبي. ملمس جلدها اهواه. ويداي لم تلمس سحرا سواه. اعيش فيها كما تعيش اللمسة في الاصابع"
قدري لونته اللعنات. ما زاد الطين بلة. ابتلائي بداء الحب فمنذ عشقت و أنا تائهة عن دروبي. فلا عنوان لي سوى الوحدة وقلم اسود اخط به عقم ايامي. وأظل كما قدري ابحث انثى تسمى فرحي.

العنقاء

هناك تعليق واحد: