قصة حب شيوعية


هذا العمل ليس أكثر أعمال سيلفيا شهرة ولا أهمية ، وقد كتبته في أثناء عضويتها في الحزب الشيوعي الإنجليزي رمزا للحرب الأهلية الإسبانية ، تٌصنف الرواية على أنها رواية ماركسية أو يسارية ، وهي من الروايات التي لم تحظ بشهرة كبيرة في الأدب الإنجليزي الحديث .
قصة الحب في هذه الرواية تتحدى تقاليد الجنسية الغيرية الحادة في الرواية الكلاسيكية الإنجليزية والأمريكية ، تبدأ الرواية بمشهد عاطفي مؤثر ، يمكن تمييزه في انتمائه للتقاليد الروائية في القرن التاسع عشر ، البطلة ذات الشعر الجميل " صوفيا " الابنة الوحيدة لمالك أراض ثري من الطبقة العليا ، ووريثة ضيعة كبيرة ، وزوجة رجل ضعيف " فريدريك " الذي هجرها بعد أن تزوجها من أجل مالها ، وبعد أن أنجب منها طفلين ، ذهب إلى باريس ليتخذ فيها خليلة له ، في بداية الرواية تستيقظ صوفيا مع طفليها : ولد وبنت في يوم صيفي قائظ لتذهب معهما إلى أتون لحرق الطين ، على أمل – أنها بإخضاعهما لنوع من العلاج البدائي" دخان الأتون " ، فإنهما من الممكن أن يشفيا من السعال الديكي الذي أصيبا به منذ فترة طويلة .
في هذه الصفحات الاستهلالية من الرواية نجد صوفيا – وقد يأست من أحلام اليقظة – في طريقها إلى الأتون ، تصفها المؤلفة بأنها معتزة بنفسها ، قوية ، وعلاوة على ذلك ذات طبيعة مضطربة ، ومثل بطلات كثيرات تطيل صوفيا التفكير في زواجها غير السعيد ، وتشتاق اشتياقا غامضا إلى نوع من الامتلاء العاطفي ، بعض لحظات عندما تمارس سلطتها ، وبينما تكرس صوفيا كل وقتها لطفليها ، تشعر بالانقباض والغيظ ، لأن زوجها تركهما تماما لرعايتها بعد أن هجرها ، وبالنسبة لفريدريك ، فإنها تضمر له بقايا مشاعر رومانسية ، وقدر من الازدراء ،مع خليط من الشكوى الجنسية ، والأمر عندها لم يكن مسألة غيرة ، لأن زواجها خلا من العاطفة ، لكنها استاءت من حريته ، ومن اختياره حياة بوهيمية مع عشيقة .
في نفس الوقت تشعر صوفيا بامتنان غريب للمرأة الأخرى ..." شكرا لمينا """" "، تٌذِّكر صوفيا نفسها أنها أم وصاحبة أرض، لكنها مع ذلك هي في حاجة إلى أن تصبح زوجة، لكن زيارتها للأتون قاد إلى تغير كبير في حياتها، لقد قام حارس الأتون بما يلزم من أجل أن يستنشق الطفلان دخان الأتون، عادت بهما صوفيا إلى المنزل، وبعد عدة أسابيع وصل " كاسبر " ابن أخ لها غير شرعي، لأنه من أب أبيض، وأم سوداء، اهتمت به صوفيا، وذهبت به إلى مدينة أخرى لتدخله مدرسة داخلية، حين عادت وجدت طفليها في مرض الموت، فقد كان حارس الأتون حاملا لفيروس الجدري، وقد نقله إليهما، كتبت صوفيا لزوجها تعلمه بالأمر الذي عاد قبل أن يموت الطفلان بقليل.
شعرت صوفيا بتغير خفي في زوجها : رقة جديدة محيرة ، وقد عزته إلى تأثير عشيقته غير المرئية ، لقد شعرت صوفيا كما لو كان شخصا غريبا يتحدث من خلالــه ، وهو يردد كلمـــــــة " زهرتي " لابنته على فراش الموت ، شخص يمتلك دراية عميقة في التعبير عن الأسف ، ظلت صوفيا متعلقة بذكرى هذا الصوت الذي بدا من زوجها في أثناء مرض واديها ، بعد أن توفي ولداها ، ورحل زوجها مرة أخرى إلى باريس .
بدأت الأحداث المهمة في الرواية بعد وفاة الولدين ، قررت صوفيا الذهاب إلى باريس تحت تأثير الذهول والاضطراب والحزن كي تواجه زوجها ، وتطلب منه أن ينجبا أطفالا آخرين ، وقد وجدت نفسها في أول مساء لها في باريس تسكن شقة تقيم فيها " مينا "عشيقة زوجها ، وهي تعقد صالونا لها ، عندما انضمت صوفيا على الصالون، وجدت جمعا من الضيوف بما فيهم زوجها ، الذي كان يستمع إلى مينا وهي تروي قصة تعرض من خلالها أحداث طفولتها في أوربا الشرقية ، والمذبحة التي تعرض لها والداها في أثناء هروبهما ، وإنقاذ أحد الموسيقيين الجوالين لها ، لقد علمتها تجربة الاضطهاد أن تكون فنانة قصاصة ذات رؤية رومانسية وثورية ، نسيت صوفيا في أثناء استماعها إلى هذه المرأة وفتنتها بصوتها الساحر وبكارزميتها كل ما يتعلق بفريدريك ، والسبب الأساسي الذي جاءت من أجله . فجأة وُضعت الحواجز في الشوارع ، وبدأت المناوشات بين الناس والسلطة فيما عرف بثورة فبراير ، انطلق المستمعون لمينا الذين كانوا غالبيتهم من الفنانين والمثقفين إلى الشارع داعمين للمتظاهرين بمن فيهم فريدريك الذي لم يلحظ وجود زوجته ، وجدت صوفيا ـ  تحت تأثير السحر ـ  نفسها في غرفة واحدة مع مينا .
تعلقت صوفيا بمينا تعلقا شديدا ، ليس بجمالها ، فعشيقة فريدريك كانت امرأة شاحبة ، صغيرة سمراء ، ونظراتها مضطربة ثقيلة ، ويديها كبيرة طرية ، لكن شيئا ما في نظرتها جذاب وضبابي ، شيء لا تستطيع صوفيا تجنبه ، ولا إدراكه " إنني لا أستطيع أن أفهم – كما قالت صوفيا لها – ما الذي وجده فريدريك فيك ؟ لكني أستطيع أن أرى صفقة كبيرة ، وعلى العكس ، فإن مينا شعرت بالابتهاج من زوجة عشيقها ، تطلعا معا إلى الحواجز في الشارع ، وفي الأسفل رآهما فريدريك ، وقد غضب عندما رفضت صوفيا عرضه بأن تركب سيارة أجرة وتذهب بعيدا ، كما تجاهلته مينا أيضا ، ولذلك تركهما وذهب ، زرعت مينا في صوفيا آمالها في نجاح العصيان المسلح ، وتحت تأثير الانفعال والحماس والتعب الذي قامت به صوفيا ، سقطت نائمة على أريكة في شقة مينا ، وعندما استيقظت في اليوم التالي ، وجدت مضيفتها بجانبها على الأريكة ، وتحت تأثير غيرة غريبة من امرأة يهودية ، وجدت صوفيا نفسها – وهي قليلة الكلام – تحكي للمرأة كل تفاصيل حياتها ، وكما لو كانت تريد أن تتحرر من رابط غير مرئي ، وجدت نفسها تحكي لعدة ساعات ، وعندما عاد فريدريك بعد ظهر ذلك اليوم وجد زوجته وعشيقته تجلسان على الأريكة في وضع حميمي وألفة لا يمكن سبر أغوارها ، أما بالنسبة للمرأتين ، فلم يكن في وعيهما أن هناك شيئا غير عادي يحدث بينهما .
إن الانجذاب بين صوفيا ومينا لم يبدأ مباشرة ، فقد كانت العلاقة بينهما أول الأمر علاقة الزوجة بالعشيقة ، وفي الحقيقة أنهما تباعدا في البداية لعدة أسابيع ، لأن صوفيا كانت خائفة من تعميق علاقتها الجديدة وتعقيداتها ، وبينما كانت الاضطرابات في المدينة تزداد ، استقرت صوفيا مع عمتها الغنية التي حاولت أن تصلح أمورها مع فريدريك ، لكنها عادت بسرعة إلى مينا بمجرد أن عرفت أنها أنفقت كل ما لديها على العمال المضربين ، وأصبحت في فقر مدقع ، تشاجرت صوفيا مع فريدريك على خلفية مطالبتها له أن يقطع علاقته بمينا ، وحين رفض ذلك ، فإنها قررت خطة أخرى ، عادت إلى شقة مينا الرثة ، ووجدتها هناك في حالة ضعف بين ، مع جوع وشعور بالبرد ، وقررت أن تبقى معها ، وتعتني بها ، ومنذئذ ، مع توطد علاقتها بمينا تدريجيا ، بدأت صوفيا تشعر أن هويتها القديمة تنفلت منها ، وتحت تأثير مينا الساحر ، بدأت صوفيا تعيش في عالم مينا ، وتندمج في الأنشطة الثورية التي كانت مينا جزءا منها .
في أثناء ذلك ، قرر فريدريك أن يقطع الإعانة عن زوجته ، حتى يجبرها على العودة إليه تحت تأثير اندهاشه من هذه العلاقة الجديدة بين صوفيا ومينا ، وفي الحقيقة ، فإن مكائده زادت أواصر الألفة بين المرأتين ، وعندما أخبرت صوفيا صديقتها بأن فريدريك قد أخبر البنك ألا يعترف بتوقيعها لأنها لم تعد زوجته ، شعرا فجأة بالرغبة أن يفعلا شيئا :
يجب أن تبقي إذا أردت أن تغيظيه.
أنا لا أفكر كثيرا في ذلك .
لكن يجب عليك أن تبقي .
سوف أبقى إذا كانت هذه رغبتك .                                                          
ولقد بدا لها أن الكلمات باردة ، وتبدو مثل كرات الثلج ، وبعد عدة ساعات ، قالت مينا " لكننا بالطبع يجب أن نكون عمليين " قاطعة آخر لحظة صمت بينهما ......
لقد وصفت تاونسد وارنر مشهد علاقتهما العاطفية بإيجاز عبر صرخة واحدة ، وصمت بعد ذلك ، لتوحي بلحظة الكمال بينهما ، والمعنى واضح ، قطعت صوفيا كل روابطها مع الماضي : مع زوجها ، ومع طبقتها ، وكذلك مع عاداتها الجنسية السابقة .
في نهاية الرواية حين بدأت تباشير الصيف تحل محل الربيع ، انفجر العصيان المسلح مرة أخرى ، بعد أن كان ساكنا لعدة أشهر ، وتحت تأثير عشقها لمينا ، ألقت صوفيا بنفسها في النشاط السياسي ، وبدأت تحمل الرسائل بين مجموعات الشيوعيين الذين كانوا يجمعون الأسلحة استعدادا لحرب أهلية مفتوحة ، وجاء لقاؤها الأخير مع زوجها عندما جاء قريبها كاسبر فجأة إلى باريس مكتئبا وحزينا ، هاربا من المدرسة التي ألحقته بها ، وقد اضطرت صوفيا إلى أن تسأل زوجها أن يعطيها أموالا تدفعها إلى مدرسة أخرى بباريس ، دون أن تعرف أن فريدريك الآن يعمل مع الحكومة ، وبدلا من أن يحصل كاسبر على مكان في المدرسة الجديدة ، ألحقه فريدريك بقوات الحرس الوطني التي أصبحت مسؤولة عن قمع التمرد ، وفي أثناء عودتها بإحدى الرسائل بين الشيوعيين ، وجدت صوفيا أن حرب الشوارع اقتربت جدا من المنزل الذي تعيش فيه بباريس ، وقد كانت مينا حينئذ تقاتل خلف المتاريس ، انضمت إليها صوفيا لتقاتل معها ، وكان دورهما حشو البنادق للرجال ، ثم إعادة حشوها ، اقترب الحرس جدا من المتاريس ، واشتبكوا مع الرجال المتحصنين خلفها ، فوجئت صوفيا أن كاسبر أصبح واحدا من هؤلاء الحراس ، وجه كاسبر طعنة حادة إلى مينا ، أصابتها بجرح مميت ، أطلقت صوفيا النار على كاسبر ، لكن الحراس مع ذلك قبضوا عليها ، وأُخذت مع مجموعة من المساجين الذين نُفذ فيهم حكم الإعدام ، لكن الحكومة أطلقت سراحها لأنها امرأة ، بحثت صوفيا بجنون عن مينا ، ولم تعرف ما إذا كانت حية أو ميتة ، أُخمدت الثورة ، وبدا أن آمال العمال قد تلاشت ، عادت صوفيا مرة أخرى إلى شقة مينا يحدوها الأمل أن تعود عشيقتها إليها أيضا ، فتحت صوفيا أحد الملفات التي كانت موجودة في الشقة ، وقد وجدت فيه بيان الحزب الشيوعي ، وبينما تجلس صوفيا كي تقرأ البيان متحمسة ، وأسيرة لألفاظه القوية ، تنتهي الرواية نهاية غامضة

هناك تعليق واحد:

  1. ليست نهايه غامضه ...بل مفتوحه .... أي تعطي مجال للقارئ بتخيّل النهايه التي تعجبه ....

    ردحذف